أبو أسامة Admin
عدد الرسائل : 138 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: المحبة .... والمعصية ....؟ السبت أغسطس 23, 2008 4:07 pm | |
| قال الراوي :
سألت شيخي ذات يوم بعد أن سمعته يتحدث حديثا شجيا عن محبة الله ..
ولا سيما أنه أدرج قول الشاعر :
تعصي الإلهَ وأنت تزعم حبه ** عارٌ عليك إذا فعلت شنيعُ
إن كانَ حبك صادقاً لأطعتهُ ** إن المحبَ لمن يحب مطيعُ
وذكر شواهد كثيرة من سيرة السلف وأقوالهم ونحو هذا ..
سألته حين خلوت به وفي قلبي من الهم ما الله به عليم من جراء ما سمعت :
هل يمكن أن نفهم أن المحب لله جل جلاله لا يقع في مخالفة أبدأ ،
ومن ثم لا يعصي الله في حياته .. ؟
ابتسم الشيخ وقال بعد أن أخذ يتمتم لي بدعوات :
الحق يا بني ان أحداً لم يقل بذلك .. لأن معنى الأخذ بهذا القول :
أن هؤلاء قد اصبحوا في مقام العصمة ، ولا معصوم إلا رسول الله عليهم أفضل الصلاة والسلام ..
ولكنهم قد ذكروا أن الوقوع في المعصية يخدش كمال المحبة ، لا أصلها ..
فأمر متوقع أن يقع إنسان يشعر بأنه يحب الله تعالى في معصية أو معاصٍ عدة .. وهو مع هذه المخالفات يرى أنه يرغب فيما عند الله ..
لكن هاهنا نقطة احتراس ينبغي ان نضعها نصب أعيننا ..
ذكروا أن المحب الصادق وإن وقع في مخالفة ،:
فإن وقوعه قليل .. هذه واحدة ..
والثانية : أنه سريع الفيء إلى الله ..
بل هو يعود إلى الله منكسرا نادما كثير الدعاء والاستغفار ..
والثالثة : أنه لا يكتفي بذلك ..
بل هو أحرص ما يكون على أن يعوض فترة التعثر التي وقع فيها ..
وبهذا ونحوه : يقبل على الله بألوان من العبودية
ربما لم يكن متحققا بها قبل زلته ..
أو أنه نسيها وأهملها أو شيء هذا ..
كالندم والبكاء ، وكثرة الضراعة ، وتوليد الخوف من سوء الخاتمة ..
ومعرفة النفس وأنها قد تخونه وتغلبه .. وشد المئزر لإقبال جديد بهمة أعلى ،
وعزم أكبر .. من أجل تعويض ما ضاع من وقته أثناء غفلته …
فزلة هؤلاء المحبين الصادقين _ وإن كانت زلة في الحقيقة _
غير أنها أشبه ما تكون بنعمة في حقهم .. مع أن المعصية تؤلمهم كثيرا
رغم ما تسببه لهم من غصة خانقة ، ودمعة سائلة ، وألم دفين ..
أعود فأقول رغم هذا كله ، غير أن زلة هؤلاء :
أشبه ما تكون بالنعمة في حقهم ..
وذلك بسبب ما يعود إليهم من التقلب والتحقق في ألوان من العبودية لله عز وجل ..
وعلى رأسها أن يخرج من أنفسهم أي شعور بالعجب ، فينكس رؤوسهم بتلك الزلة ويعرفون قدرهم ، وأنهم إنما يعيشون برحمة الله سبحانه وحفظه وحمايته ..
ويدركون أن القلوب تتقلب سريعا ، كأنها الماء في القدر يغلي ..
ومن هنا تبقى قلوبهم معلقة بالله حباً له ، وخوفا منه ،
وحياء منه ورجاء فيما عنده
شعارهم مع أية زلة تقع مهما دقت وصغرت :
[ لا تنظر إلى صغر المعصية ، ولكن انظر إلى من عصيت .. ]
فالذنب الصغير يغدو في عيونهم كبيرا ، حيث يشهدون جلال الله وجماله وعظمته وكماله وعظيم صفاته ..
فيتولد عن هذا التعثر الذي وقعوا فيه ، ما ذكرنا من ألوان الطاعات .
ولعل الإشارة إلى هذا ما تضمنته الآية الكريمة في قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )
فهؤلاء متقون .. والمتقون هم صفوة عباد الله . ومع هذا يسمهم الشيطان بطائف ..
لكنهم يحسنون التعامل مع هذه الحالة العارضة ..
تلك إذن هي القضية ، والمعصوم من عصمه الله وحماه .
ولا يخذل الله مخلصا له ، صادقا معه ،
بل الخذلان ينصرف إلى من قرر أن يكون من المعرضين المنصرفين عن الله :
( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )
( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) والآيات كثيرة
أما الصنف الثاني من الناس ونحن منهم ..
فتغلبه نفسه الأمارة ويتلطخ بوحل المعصية ،
غير أنه لا يكاد يفيق من سكرته حتى يندم ، ويتحسر ، ويستغفر ويتوب ،
وينوي أن لا يعود .. لكنه لا يلبث إلا قليلا حتى يجد نفسه قد تلطخ من جديد
فهو دائر بين توبة ومعصية ، يتناوبان عليه ..ولا ينفك منهما .. كلما أفاق وقع ، وكلما تعثر
نهض ، ولا يلبث إلا قليلا في صحوة التوبة حتى يعود إلى ما كان عليه ..
هذا لا يقول أحد أنه غير محب لله بسب ما هو فيه ..
لكن هذا الحال الذي هو عليه لا يترجم عن كمال محبة في قلبه ..
لكن أصل المحبة لا تنفى عنه بالكلية ..
بل محبته لله تدفعه مرارا للتوبة ، والندم والاستغفار .
وصيتنا لأنفسنا ولهذا :
أن يجهد جهده ليزيد منسوب محبة الله في فؤاده ،
ويجهد على أن يوقد مجامر الحب لله في قلبه دائما وباستمرار ..
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
أما من ركب ظهر الهوى ، وطار مع خيله غير مبالٍ بتوبة ،
ولا يفكر بتجديد عهد مع الله ، بل هو يتوثب مع الهوى في كل واد ،
لا تحرقه المعصية في قلبه ، فلا يندم من قريب مما يقع فيه ،
وينجرف مع تيار الإثم بملء رغبته …
غير مكترث بفرائض الله فيؤديها ، لكنه رمى نفسه بالكلية في مركب الشيطان
يسيره حيثما شاء ..
ثم يزعم أنه محب لله رغم كل هذا ..
أما هذا فنقول له : حنانيك .. حنانيك .. رحم الله والديك .
قف مع نفسك طويلا .. وتذكر نعم الله عليك في ليلك ونهارك ، وكرمه معك ،
ولطفه بك ، وستره عليك وأنت تتوثب إلى معاصيه ، ويظهر منك الجميل ـ
ويخفي عن الناس منك القبيح .. ويواصل حلمه عليك .. الخ
فإن تفكرت في هذا وأمثاله ثم ظللت على ما أنت عليه مما أنت فيه ..
فاعلم أن محبتك لله قد كثر فيها الخدوش إلى درجة مخيفة
انظر _ لو كنت تعقل _ إلى صورة جميلة رائعة ..
يكثر فيها الخدش هنا وهنا وهناك ..
ماذا يبقى من جمالها بعد أن تمتلئ بالخدوش ؟؟
وصيتنا لمثل هذا الحبيب :
أن يراجع نفسه ، ويجتهد أن يعيد ترتيب أوراقه مع الله تعالى ،
ويعمل على تنظيم أموره والتفكير في دنياه وأخراه .
على ضوء ما سمعت قس نفسك … وحاسب نفسك قبل أن تحاسب ..
وخلاصة الأمر :
أن الصنف الأول :
تجده مشمرا إلى الطاعات ، مكثرا من النوافل ينافس عليها
ويبادر إليها ، كثير الذكر ، عالي الهمة .. مجاهدا لنفسه أن لا يقع في محضور.
أما الصنف الثاني : وإن كان يقوم إلى الفرائض لكن قد يكون فيه ثقل ،
أما النوافل وإن كان يؤديها لكن على ضعف فيها
وأما الثالث : فتراه معرضا عن الفرائض ناهيك عن النوافل
همته مع هواه ، وهواه مع شيطانه .. ونعوذ بالله من ذلك .
قال الراوي : وشعرت أني تنفست الصعداء بعد سماع الشيخ ..
وشكرته ودعوت له وانصرفت وأنا في حالة انشراح كبيرة . ولله الحمد والمنة. | |
|