الخطبة الأولى
أما بعد: فيا من تريدون النجاة من النار والفوزَ بدار القرار، يا من يريد أن يسكن في الجنة ويبعده الله عن النار، فالبدار البدار إلى الإيمان بالله والأعمال الصالحة التي تقرب من الله زلفى، قال الله تعالى: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلا جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى [طه:75، 76]، وأيضًا يصدر الخبر اليقين بأنَّ الله أعدَّ الجنةَ للذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيقول وقولُه الحق: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً [الكهف:107، 108].
أيها الإخوة في الله، بادروا بالمنافسة والمسارعة إلى الجنة، ليقم القائمون، وليصُم الصائمون، وليتصدَّق المتصدِّقون، أَقْبِلُوا على اللطيف الخبير، وأصلحوا ما دام في العمر فسحة، فإنكم ـ والله ـ لا تدرون لعلَّكم لا تصبحون بعد أن تمسوا، فلا تغتروا بهذه الحياة الدنيا، فإنها دار غرور، خدَّاعة مدبرة فانية، واللهَ اللهَ بما يقرِّبكم من الله والدار الآخرة، فإن الآخرة مقبلة باقية، ثم فريقٌ في الجنة وفريق في السعير.
أيها الإخوة في الله، لقد وُصفت لنا الجنة، ووُصفت لنا النار، وصفها الله جل وعلا في كتابه، ووصفها رسوله في سنته، فالمؤمن بالله حقا إذا سمع تلك الأوصافَ في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله ازداد شوقًا إلى الجنة، وخوفًا وهروبًا من النار، فالجنة كما قال رسول الله : ((قال عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر))، فاقرؤوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
نعم يا عباد الله، إنها دار الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فإن سألتم عن سعة الجنة فاسمعوا إلى المولى جل وعلا وهو يصفها لنا في كتابه العزيز ويقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، ويقول أيضًا جل وعلا وهو يصف لنا سعة الجنة: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، ثم لنتفكر في هذه الجنة، ما هو بناء هذه الجنة؟ هذه الجنة دارٌ قصورها مبنية بلبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الإذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، هذه الجنة فيها خيامُ اللؤلؤ المجوَّفة، قال الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [التوبة:72]، ثم يخبر الله جل وعلا أن لهم نعيمًا آخر وهو الرضوان من الله فيقول: وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72]، وأيضًا رسول الله يصف لنا نعيمًا في الجنة عندما أُسري به فيقول: ((ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك))، وأيضًا يقول الصادق المصدوق محمد : ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)) متفق عليه.
عباد الله، إن الجنةَ درجاتٌ، وما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، قال الله تعالى: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11]. وأيضًا يخبر رسول الله عن هذه الدرجات فيقول: ((من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقًا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها))، ثم يقول الناصح الأمين محمد : ((فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة))، قال راوي الحديث: أُراه قال: ((وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تفجَّر أنهار الجنة)). ثم يخبر وهو الصادق المصدوق عن نعيم آخر في الجنة فيقول: ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوَّفة طولها ستون ميلاً))، ثم يخبر رسول الله : ((إن فيها للمؤمن أهلين يطوف عليهم، فلا يرى بعضهم بعضًا)) متفق عليه. ثم يخبر الله عز وجل: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات:48]، في تلك الخيام يا عبد الله، وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:48، 49]، ويقول الله تعالى في وصف تلك العرائس الحسان: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، ويقول أيضًا في وصف تلك العرائس الحسان: وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22، 23]، ثم يقول عن هذه الزوجات الحسان: ((ولو أن امرأةً من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاء ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)).
الله أكبر، البدار البدار يا من تحبّ الجمال الطبيعي، يقول : ((إن الرجل من أهل الجنة ليُعطَى قوةَ مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة))، ثم يقول : ((إنَّ أهلَ الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون))، قالوا: يا رسول الله، فما بال الطعام؟ أجل، إذًا أين يذهب الطعام يا رسول الله؟ قال : ((جُشاءٌ ورشح كرشح المسك)).
أيها الإخوة في الله، ثم إن سألتم عن تلك الآنية التي يأكلون ويشربون فيها فقد وصفها الله ورسوله في الكتاب والسنة، قال الله تعالى: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:68]، من هؤلاء العباد؟ من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف:69]، ماذا يقال لهم؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف:70]، ثم اسمعوا إلى الكرامة يا عباد الله، اسمعوا إلى الآنية، والتي فيها يطاف عليهم: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف:71].
ثم يصف ربُّ العزة والجلال نعيمًا آخر، يخبر الله عنه أيضًا ويقول: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ [الواقعة:17-19]، هذا خمرُ الجنة: لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ. وماذا عندهم من الفواكه؟ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:20]، وأيضًا: وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21].
ومن نعيم الجنة أيضًا نعيمٌ آخر في الجنة، وهو الأنهار التي تجري من دون أخدود، وفيها اللذة والنعيم، اسمعوا إلى وصفها في كتاب الله عز وجل: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، اسمع يا عبد الله، حرّك الهمَّة إن كنت تريد تلك الدار العالية وما فيها، فإن فيها أنهارًا، اسمع اسمع إلى هذه الأنهار يصفها الجبار جلّ وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ، مسكين الذي أضاع عقلَه بالمسكرات الدنيوية، مسكين الذي أضاع عقله بالمخدرات وأصبح بمنزلة المجانين والحيوانات، لقد أضاع نصيبَه من هذا الخمر: وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15].
ثم لهم في الجنة حُلل وملابس، وذلك من كمال النعيم في الجنة، اسمعوا إلى المولى جل وعلا يصف لنا تلك الحلل وتلك الملابس: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، اسمع يا عبد الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، هم الذين يحوزون على هذا النعيم، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30]، ما لهم؟ أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:31].
أيها الإخوة في الله، إن أهل الجنة يتفاوتون في دخولها، فأوّل من يدخل الجنةَ محمّد حيث أخبر بذلك وقال: ((آتي باب الجنة يوم القيامة وأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ـ محمد ـ))، ثم يخبر سول الله عن أول زمرة يدخلون الجنة فيقول: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صور القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دُرّي في السماء إضاءة)).
أما عذاب أهل النار في النار، أستجير بك اللهم من النار، اللهم أجرنا من النار.
عباد الله، الله جلّ وعلا قد بيَّن لنا أوصاف النار، وبيَّنها لنا رسول الله ، قال الله عز وجل في محكم البيان: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:64-68]، وأيضًا يصف لنا ربنا جل وعلا نوعًا آخر من تعذيب أهل النار: وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا [سبأ:33]، ثم إليكم هذه الصورة من أنواع العذاب في النار يصفها لنا القرآن، فتصوَّروا أهلَ النار وهم يصطرخون فيها، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:36، 37].
وهذا رسول الله يقول: ((إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم)) يعني مكان الدمع.
وهذا أيضًا نوع من العذاب لأهل النار يذكره الله في كتابه فيقول: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ [إبراهيم:49، 50]، ثم إليكم هذا الخبر اليقين الذي فيه بيان نوعٍ من طعام أهل النار قال الله تعالى: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات:62-65]. هذا الفرق عبد الله، أهل الجنة بين أنهار العسل واللبن والخمر والماء، وهؤلاء يأكلون من الزقوم ويسقَون من الحميم. اسمع شراب أهل النار: وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ [إبراهيم:15-17]. ثم اسمعوا إلى ثياب أهل النار: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19]، فيا لها من نار، ما أشدها وما أنكدها.
اسمعوا إلى هذا النوع الآخر من التعذيب في النار، قال الله تعالى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحج:19، 20]. ثم اسمعوا إلى نوع آخر من العذاب في نار جهنم: وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:21، 22].
ويقول رسول الله : ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟!)).
وهذه سورة من عذاب النار تبين لنا عذاب الذين يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه وينهون عن المنكر ويأتونه، قال رسول الله : ((يؤتى بالرجل يومَ القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، ويجتمع إليه أهل النار فيقول: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)).
ثم إنهم في النار يتفاوتون في شدّة العذاب، يقول رسول الله : ((منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته)). إنها النار تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثم تبدَّل غير ذلك، وهم في ذلك لا يموتون فيها ولا يحيون، اسمعوا إلى قول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].
وأما أوصافهم فإن الله خلقهم بهذه الصفة التي سوف يبيِّنها لنا رسول الله حيث قال : ((ضِرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث)) رواه مسلم، ويقول رسول الله : ((ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع)) متفق عليه.
وأما بُعدُ النار ـ يا عباد الله ـ فقد بيّنه رسول الله ، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كنا مع النبي إذ سمع وجبة، فقال النبي : ((تدرون ما هذا؟)) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفًا ـ يعني منذ سبعين سنة ـ فالآن حين انتهى إلى قعرها)).