روى البخاري في صحيحه: أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين يديه علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات) ثم نصب يديه فجعل يقول: (إلى الرفيق الأعلى) حتى قبض.
ودخل النبي صلى الله عليه وسلم على مريض فقال: (إني لأعلم ما يلقى، ما فيه عرق إلا وهو يألم بالموت على حدته).
لما نزل الموت بعمرو بن العاص رضي الله عنه قال له ابنه: يا أبتي وقد كنت تقول: إنني لأعجب من رجل نزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟ فقال: يا بني: الموت أعظم من أن يوصف، لكن سأصف لك منه شيئاً، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، وكأني أتنفس من سم إبرة، ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما.
قال كعب رضي الله عنه عن الموت: هو كغصن كثير الشوك أُدخل في جوف رجل، فأخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب، فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى.
قال علي رضي الله عنه: والذي نفس محمد بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش.
قال شديد بن أوس: الموت أشد من نشر بالمناشير وقرض بالمقاريض وغلي في القدور.
لما مات إبراهيم عليه السلام قال الله عز وجل: (كيف وجدت الموت؟)، قال الخليل: كسفود جعل في صوف رطب ثم جذب، فقال الله عز وجل: (أما إنا قد هوّنا عليك).
وعن موسى عليه السلام أنه لما صارت روحه إلى الله عز وجل قال له الله: (يا موسى: كيف وجدت الموت؟) قال: (وجدت نفسي كشاة حية بيد القصاب تسلخ).
هكذا إذن!!! .. بعد كل هذا العذاب.. تصعد الروح! .. وفي لحظة واحدة يُطوى الكتاب! .. وفي لحظة واحدة ينطق جميع الحاضرين: (يرحمه الله)! .. وفي لحظة واحدة يجد المرء نفسه في عالم آخر! .. بين المفاجأة والذهول! .. بين الحقيقة.. والخيال! .. وليس ثمة إلا طريق واحد مظلم – كأشد ما تكون الظلمة- يسير فيه المرء بعينين مغمضتين! .. لا يؤنس وحشته إلا عمل قد قضى عمره له فهو يمشي الآن بجواره .. إلى الله ..