عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- أن فتى من الأنصار يقال له: ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم ، فكان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعثه في حاجة ، فمر بباب رجل من الأنصار فرأى امرأة الأنصاري تغتسل ، فكرر النظر إليها ، وخاف أن ينزل الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج هارباً على وجهه ، فأتى جبالا بين مكة والمدينة فولجها ، ففقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعين يوما -وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى- ،
ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن الهارب من أمتك بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري . فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عمر ويا سلمان انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن)) ،
فخرجا في أنقاب المدينة فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له: ذفاقة ، فقال له عمر : يا ذفاقة هل لك علم بشاب بين هذه الجبال؟ فقال له ذفاقة: لعلك تريد الهارب من جهنم؟
فقال له عمر: وما علمك أنه هارب من جهنم؟
قال: لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من بين هذه الجبال واضعاً يده على رأسه ، وهو يقول: يا رب ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ، ولا تجردني في فصل القضاء.
قال عمر: إياه نريد.
قال: فانطلق بهم ذفاقة ، فلما كان في جوف الليل خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعا يده على أم رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح ، وجسدي في الأجساد ، ولم تجردني لفصل القضاء.
قال : فعدا عليه عمر فاحتضنه ، فقال: الأمانَ الأمانَ ، الخلاصَ من النار.
فقال له عمر: أنا عمر بن الخطاب ، فقال: يا عمر هل علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذنبي؟
قال: لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس فبكي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأرسلني وسلمان في طلبك .
فقال: يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي ، أوبلالاً يقول: قد قامت الصلاة . قال: أفعل.
فأقبلا به إلى المدينة فوافقوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في صلاة الغداة ، فبدر عمر وسلمان الصف ، فلما سمع قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى خر مغشياً عليه ،
فلما سلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يا عمر ويا سلمان ما فعل ثعلبة بن عبدالرحمن؟)).
قالا: هو ذا يا رسول الله ، فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأتاه فقال: ((يا ثعلبة!)) . قال: لبيك يا رسول الله .
فنظر إليه ، فقال: ((ما غيبك عني؟)).
قال: ذنبي يا رسول الله .
قال: ((أفلا أدلك على آية تمحوا الذنوب والخطايا؟)). قال: بلى يا رسول الله.
قال: ((قل: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
قال: ذنبي أعظم يا رسول الله . فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((بل كلام الله أعظم)).
ثم أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالانصراف إلى منزله ، فمرض ثمانية أيام ، فجاء سلمان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هل لك في ثعلبة فإته لما به قد هلك؟
فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((قوموا بنا إليه)).
فلما دخل عليه أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه فوضعه في حجره
فأزال رأسه عن حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لِمَ أزلت رأسك عن حجري؟)).
قال: إنه من الذنوب ملآن. قال: ((ما تجد؟))
قال: أجد مثلَ دبيب النمل بين جلدي وعظمي.
قال: ((فما تشتهي؟)). قال: مغفرة ربي .
قال: فنزل جبريل –عليه السلام- على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، فقال: ((إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة للقيته بقرابها مغفرة)).
فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا أعلمه ذلك؟)).
قال: بلى. قال: فأعلمه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فصاح صيحة ، فمات ، فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بغسله وكفنه وصلى عليه ، فجعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يمشي على أطراف أنامله ،
فقالوا: يا رسول الله! رأيناك تمشي على أطراف أناملك؟
قال: ((والذي بعثني بالحق نبياً ، ما قدرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة من نزل لتشييعه من الملائكة)).